موجة جديدة في عالم الموضة تخترق عقول الشباب، قبل أجسادهم، فتمنعهم عن التفكير في معنى هذه التقليعة الجديدة، وهل تتماشى مع أفكارنا وفطرة الإنسان، بل هل تتلاءم مع شكل أجسادنا؟!... الخلاف بين الأجيال أمر عادي ومتكرر، لكن تحت أي مسمى وصل الأمر إلى تعرية منطقة الخصر، وما أسفلها، بشكل كامل، وإظهار الملابس الداخلية للشباب.
وقد ظهرت هذه الموضة، وكانت مقتصرة على الشباب - حيث خرجت من غياهب السجون- إلا أن هناك من روج لهذه البناطيل، وتحول بها من ظاهرة مرفوضة إلى تقليعة يتهافت عليها الشباب.. ومن ثم إسراع الفتيات لتقليد الشباب، تحت مسمى ملاحقة الموضة، خاصة بعد الدعوة لما يسمى الجندر (توحيد الجنس)، وعدم التفريق بين الذكر والأنثى.. وانتشرت تقليعة السروال المنخفض، أو ما يسمى "بنطال طيحني"، دون تفرقة بين الجنسين!
هذا المشهد؛ الذي بدأ الانتشار، في شوارع المدن العربية، خاصة بالتجمعات الشبابية، في المولات التجارية، والنوادي الإلكترونية؛ حيث البنطال الساقط، المتسع من أعلاه دون حزام، فيسقط حتى منتصف الأرداف، ومن المفترض أن تظهر الملابس الداخلية، مع اتساع حولها، إلا أن اختلاف شكل الأجساد - خاصة بين الفتيات- جعل المنظر يزداد تقززًا، حيث تظهر عيوب أجسادهن، بشكل مضحك وكاريكاتوري ..وكأن من ارتداه يستجدي سخرية الناس منه، أو منها!.
فكما تقول الكاتبة المهتمة بالشئون الاجتماعية، منى الريدي، هكذا يتصرف الشباب، بحثًا عن التمرد، وهو الأمر المعروف من جيل إلى جيل، فكانت في السبعينيات موضة إطالة الشعر، والبنطال واسع القدم، وغيرها، ودائمًا ما لا يستسيغ الجيل القديم اختيارات الجيل الجديد، حتى يبدأ في استيعابها، فتذهب، وتأتي موضات جديدة، بأجيال جديدة.
لكن ما نراه اليوم ليس فقط تمردًا، ولكنه غياب للعقل، والعين التي لا تخطئ منظر هذا البنطال تفسره كشيء مقزز، وداعٍ للسخرية، وبالرغم من هذا يقبل عليه الشباب، في حالة من الانسياق؛ التي تعكس غياب الشخصية، أو محاولة فاشلة لبنائها، من خلال تبني هذه التقليعات، دون تفكير بها.
ولكن من أين بدأت الفكرة؟، قد يكون في الإجابة عن هذا السؤال مزيد من الإيضاح لمصادر الإزعاج، المتعلقة بالسروال المذكور، فالبداية كانت من داخل زنازين السجون الأمريكية، وتحديدًا في سجون (النقر)، وعرفت هناك بـ (ثوق Thug)، وهناك روايتان، الأولى تقول: إن هذا البنطال هو الزي الرسمي للسجناء، وتم تصميمه بهذا الشكل؛ حتى لا تضطر الإدارة لتسليم السجين حزامًا، يمكنه شنق نفسه به، أو استخدامه للعراك.
أما الرواية الأخرى، وهى الأكثر انتشارًا، فهي أن السجناء استغلوا تصميم هذا البنطال؛ الذي يكشف مؤخرتهم؛ للتعبير عن الرغبة في ممارسة الجنس الشاذ، ما بين الرجال والرجال، وهو الأمر المنتشر داخل أغلب السجون، على مستوى العالم، ثم انتشر ارتداؤه خارج السجون، من باب الدعاية لكل من كان يبحث عن شاذ!.
وبالفعل، أصبح هذا البنطال - بالنسبة لشواذ العالم- بمثابة إقرار على تقبل العالم لهم، بدليل أن الجميع يرتدونه، ودعوة عامة لتقبل الشواذ، وممارسة الشذوذ، وكما تناقلت الخبر وكالات الأنباء، تحاول المدن الأمريكية الآن منع هذه الموضة، بصورة قانونية، بل حتى تقييدها في السجون، ففي ولاية لويزيانا، على سبيل المثال، صدر قرار بحبس من يرتدي بنطالا، يظهر ملابسه التحتية بـ مدة ستة شهور، وغرامة قدرها 500 دولار
وهناك محاولات لفرض مثل هذه العقوبات، في مدن أخرى، ففي ترينتون، بنيوجيرسي، فإن القبض على من يرتدي هذا النوع من الأزياء يعني دفع غرامة كبيرة، إلى جانب القيام بأعمال لخدمة المجتمع، كمساعدة عمال الخدمات، ونقل القمامة. كما حظر مجلس الشيوخ الأمريكي ارتداء الطلاب لهذا البنطال، منخفض الوسط، ووافق على قانون جديد، يقضي بحرمان الطلاب الذين يرتدون تلك السراويل من الحضور إلى المدرسة .
وكانت بعض مدن جنوب الولايات المتحدة الأمريكية قد حظرت مثل هذه السراويل؛ التي يعتبرها بعض المراهقين موضة. في حين أصدرت مدينة ريفيرا بيتش، في فلوريدا، قانونها الخاص بهذه السراويل، وهو فرض عقوبة، حدها الأقصى السجن ستين يومًا، لتكرار انتهاك القانون؛ الذي يحظر ارتداءها. وفي أطلانطا، تم تقديم مسودة قانون؛ لمنع البناطيل منخفضة الوسط، وقد تشمل العقوبة فرض غرامة، أو الخدمة الاجتماعية، لكن العقوبة لن تشمل السجن. وقد انتشرت هذه الموضة في أواخر ثمانينيات القرن العشرين، من خلال كليبات أغاني الراب، ومنها إلى ضواحي المدن والمدارس الثانوية.
حتى خرج من يدافع عن مرتدي هذه السراويل، ومتبعي هذه الموضة، كعضو فريق الراب في برونكس، أدريان هاريس، فيقول: بالنسبة للشباب الصغار، هذا الزي يشكل نوعًا من التمرد والانتماء.. وهم يعتقدون أنها موضة، ولا يأخذونها بمفهومها السلبي، فلا داعي للفت نظرهم إليه.
في حين اعترض قطاع المربين، وقال أندريه جاسكي، أستاذ تربية الأطفال، في جامعة هارفارد: إن هذا البنطال - بإيحاءاته- يمثل خطرًا حقيقيًّا، على المفاهيم المتكونة في الصغر عند الأطفال، ويدعوهم للاهتمام الزائد بالجنس، مما قد يؤدى إلى انحرافات خطيرة في الصغر.
ويختلف أساتذة الاجتماع وعلم النفس، في الأسباب التي تدفع الشباب - على اختلاف ثقافاتهم ومجتمعاتهم- وراء كل جديد وغريب، حتى إن وصل لحالة منفرة، وغير مفهومة، لكنهم يتفقون على أن مرحلة المراهقة، والرغبة في التمرد وبناء الشخصية، هي أهم الدوافع والأسباب، ولكن هل يصل التمرد إلى حد الانسياق وراء التقليعة المصورة أمامكم؟!.. موضة السروال ذي الوسط الساقط؛ الذي قدمته بعض بيوت الأزياء، كمظهر جديد للمراهقين الشباب.