لكل شيء قواعد و أصول, و حين الارتكاز على هذه القواعد كنقطة أنطلاق للابداع فإن قيمة القصة ترتفع و تزداد و تأخذ حقها في التقدير و العناية, و لكن حينما تكون هذه القواعد هشة و غير مبنية بالطريقة الصحيحة او لم يصرف الوقت الكافي لبنائها فإن كل ما بني عليها هش ضعيف يسقط في أضعف المواقف و أهونها.
لست بصدد إلقاء معلومات اكاديمية في هذا الموضوع إذ انه ليس من اهدافي و لا من طرائقي, و إنما هي معلومات تأخذها مباشرة إلى حيز التطبيق و التنفيذ بسلاسة و سهولة تمكنك من القيام باصعب الاعمال باوجز طريقة و تلقي افضل نتيجة.
حينما نكتب قصة فإننا نكتب عن شخصيات معينة, قد يكثر عددها و قد ينحصر على واحد!, و لنتخيل هذا المشهد :
-------------------------------------------------------------
مصطفى: لقد أسقطت مفاتيحي في البئر.
خالد: و كيف ذلك؟
-------------------------------------------------------------
المشهد السابق لا يمكن ان نسميه بالمشهد النموذجي الذي يمكن ان نجعله نقطة انطلاق! و لكني سأجعله نقطة انطلاق لتوضيح كيفية الوصول لنقطة الانطلاق الصحيحة.
حينما تتفاعل شخصيتين مع بعضهما يجب أن نتذكر أن هذا التفاعل قد يكون بكلام الجسد ( حركات و إيماءات) و قد يكون بالصوت ( كلمات و عبارات), و في المشهد السابق فإن التفاعل كان بالصوت و لكن ينقصه الكثير مما يبهج القارئ و ما يمتعه , فمتعة القارئ أهم من تعبير الكاتب عن نفسه. و بما ان تفاعل الصوت موجود , فسندخل تفاعل الجسد, ليكون المشهد كالتالي:
-------------------------------------------------------------
طأطأ مصطفى رأسه قائلا: لقد أسقطت مفاتيحي في البئر.
التفت خالد إلى مصطفى صائحا: و كيف ذلك؟
-------------------------------------------------------------
يبدو المشهد الان افضل من السابق فهو معبر أكثر عن الحالة النفسية للشخصيتين, و لكن هل هذا كل شيء؟ طبعا لا و لاننا لم نصل بعد لنقطة الانطلاق! نحن الان على علم بحالة مصطفى و خالد النفسية من خلال حركات الجسد و ما يصدرانه من اقوال تخالج صدريهما, و لكن ماذا عن البيئة التي يتفاعلان فيها؟ نعم البيئة مهمة لانها تعطينا فكرة عن الموقف الذي حدث بينهما, و ليكن المشهد كالتالي:
-------------------------------------------------------------
في غرفة مغلقة مظلمة, كان مصطفى و خالد محبوسين فيها.
طأطأ مصطفى رأسه قائلا: لقد أسقطت مفاتيحي في البئر.
التفت خالد إلى مصطفى صائحا: و كيف ذلك؟
-------------------------------------------------------------
يبدو ان قيمة المفاتيح قد كبرت بمعرفتنا بطبيعة المكان الذي هم فيه, و لكن هل وصف المكان كان كافيا؟ بمعنى هل شعور الظلمة و انسداد الابواب على شخصيات المشهد قد وصل كاملا للقارئ؟ انا لا اعتقد ذلك و فما رأيكم باضافة المزيد من الوصف الذي يساعد في ذلك, ليكون المشهد كالتالي:
-------------------------------------------------------------
في غرفة مغلقة مظلمة ضيقة و متسخة, كان مصطفى و خالد محبوسين فيها , الباب المعدني أمامهم و البئر من خلفهم, كان مصطفى يقف وراء خالد مباشرة الذي كان شديد التحديق بفتحة الباب.
طأطأ مصطفى رأسه قائلا: لقد أسقطت مفاتيحي في البئر.
التفت خالد إلى مصطفى صائحا: و كيف ذلك؟
-------------------------------------------------------------
دعوني اخبركم الان اني اشعر بالرضا عن المشهد الحالي, فهو يحتوي على التفاعل الجيد بين الشخصيات و التفاعل الواقعي مع البيئة, و هي نقطة الانطلاق للابداع التي تستلزم خزينة لغوية جيدة لا تتم إلا بالقراءة المستمرة. و لتحسين المشهد السابق لغويا , يصير المشهد كالتالي:
-------------------------------------------------------------
في غرفة مغلقة معتمة ضيقة مظلمة و متسخة, حبس فيها مصطفى و خالد بعد الذي كان منهم , الباب المعدني قبالتهم و البئر المتهاوي من خلفهم, وقف مصطفى وراء خالد مباشرة الذي كان منشغلا بالتحديق في فتحة الباب.
طأطأ مصطفى رأسه بكسل قائلا: لقد سقطت مفاتيحي في البئر.
التفت خالد بحدة نحو مصطفى صائحا: و كيف ذلك؟
-------------------------------------------------------------
من خلال المشهد السابق يمكننا الانطلاق نحو توسيع نطاق البيئة كأن نذكر ما خلف الباب , و توسيع نطاق الشخصيات بأن نورد شخصيات داخل الغرفة أو خارجها بحيث تتفاعل مع بعضها و مع البيئة من خلال تفاعل : الجسد/الصوت/البيئة, و هي المركبات الثلاث الاساسية لاي قصة ناجحة.
أتمنى ان اكون قد وفقت في طرح خطوات عملية سهلة لكتابة قصة اكثر روعة و تحتوي على جماليات عفوية تختطها ايديكم الرائعة.