الإيمان بالله أول أركان الإيمان الستة، والتي تشمل أيضًا: الإيمان بالملائكة، والإيمان بالكتب السماوية، والإيمان بالأنبياء، والإيمان باليوم الآخر وهو يوم القيامة، والإيمان بالقدر خيره وشره.
والإيمان بالله – تعالى- يعني أن المؤمن يعتقد أن لهذا الكون إلهًا واحدًا، هو الله- تعالى- خالق كلِّ هذا الكون العظيم، بما فيه من أنهار وبحار، وجبال وأشجار، وحيوانات وأطيار، ونحن نؤمن بالله- تعالى- ونحبه، لأنه هو الذي خلقنا، وخلق لنا كُلَّ هذا الوجود من حولنا .
وإننا نستطيع أن نرى مخلوقات الله لكننا لا نراه في هذه الدنيا ، وكل ما في هذا الكون من مخلوقات دليل على وجود الله وقدرته وعظمته، فنحن ننتفع بالكثير من الأشياء التي لا نراها، ولكننا نرى أثرها في أشياء أخرى من حولها، فالهواء لا نراه، لكننا نشعر به حينما يتحرك، فيهزُّ أوراق الشجر، والكهرباء لا نراها، ولكننا نرى أثرها في المصباح الذي نضيئه، أو الآلة التي نُشَغِّلُهَا، ومثل هذه الأمور ندركها بعقولنا، دون أن تراها عيوننا.
قال تعالى: " لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ " (الأنعام 103)
والله تعالى واحد، ليس له شريك في ملكه، والكون يسير وفق نظام محكم دقيق، يدل على وحدانية الخالق العظيم.
قال تعالى: " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)اللَّهُ الصَّمَدُ (2)لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3)وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)" (الإخلاص 1-4)
فلو كان للكون أكثر من إله لتنازعوا بينهم، كُلًُ منهم يريد السيادة على الآخر، فيختل نظام هذا الكون، وتفسد الحياة فيه.
قال تعالى:" مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ" (المؤمنون 91)
فالإيمان بالله شعور فطري في نفس كل مخلوق، يشعر به في أعماقه، ويلهمه إليه ضميره ووجدانه، وحينما تواجهه إحدى الشدائد؛ فإنه يهرع إلى الله الخالق العظيم يلتمس منه العون، ويرجو منه تفريج همه وكربه.
فكل ما في الكون من الموجودات يدل على وجود الله الخالق العظيم، فالإنسان يشعر بوجود الله، ويؤمن به إيمانًا فطريًّا عميقًا. قال تعالى :
" فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) " (الروم 30)
وهذه فطرة لا تنطمس في النفس الإنسانية إلا من عادى هذه الفطرة استكبارًا وتجبرًا، فالعقل يؤمن بوجود الله الخالق سبحانه، لكنه يعجز عن تصور ذات الله سبحانه.
أين الله؟!!
الأرض التي نعيش عليها تشبه الكرة ، وكُلُّ ما يحيط بالأرض من فضاء هو سماء ممتدة بلا حدود، وهذه الكرة الأرضية التي تَسَعُ ملايين البشر، وتحمل فوقها الجبال والأنهار والأشجار والطيور والحيوانات، تبدو كنقطة صغيرة في الفضاء المتسع الكبير.
ونحن إذا أردنا أن ندعو الله –تعالى-، فإننا نرفع أيدينا إلى السماء، وإذا سألت أي إنسان: أين الله؟! أجابك على الفور: في السماء.
لقد جعل الله ذلك في فطرة الإنسان ووعيه وعقله، فالله – تعالى- في السماء، لكن علمه في كُلِّ مكانٍ، وهو -تعالى- ليس كمثله شيء.
و في عصر النبي - صلى الله عليه و سلم كان هناك رجل يمتلك قطيعا من الأغنام ، و كانت عنده جارية تقوم برعيها ، و ذات يوم خطف الذئب شاه منها ، فغضب صاحب الأغنام و ضرب الجارية على وجهها بعنف ، لكنه ندم على ما فعل ، و أسرع إلى النبي فأخبره بما صنع ، فقال له النبي : ائتني بها . فلما آتاه بها، سألها النبي : أين الله ؟
قالت الجارية : في السماء .
فسألها النبي -صلى الله عليه و سلم- : من أنا ؟
قالت: أنت رسول الله .
فالتفت النبي إلى الرجل ، و قال له : "أعتقها فإنها مؤمنة". (رواه مسلم)
الله يرانا
الله تعالى - يرانا في كل وقت ، و هو معنا أينما كنا ، يسمع كل ما نقوله ، و يعلم كل ما نفعله ، و ما أخفينا في قلوبنا و عقولنا من مشاعر و أفكار ، و لذلك فإننا نفعل دائما كل ما يحبه الله ، فحينما نقول الصدق نفعل ذلك ، لأن الله يرانا و يسمعنا.
نحب الله ونطيعه :
خلق الله- تعالى- البشر جميعًا من أبٍ واحدٍ، وأُمٍّ واحدةٍ، هما "آدم" و"حواء"، وخلق الله لهم كُلَّ ما في الكون من مخلوقات ، لخدمتهم وإسعادهم.
فالناس جميعًا ـ على اختلاف ألوانهم وأجناسهم ـ أصلهم واحدٌ وربهم واحدٌ، وعليهم أن يشكروا الله- تعالى- على ما منحهم من النعم الكثيرة، وأن يطيعوه في كُلِّ ما يأمرهم به، فالله تعالى يحبُّ لهم الخير؛ لأنه هو الذي خلقهم، فلا يأمرهم إلا بما فيه الخير لهم، ولا ينهاهم إلا عما فيه ضرر عليهم.
فحينما نتقن في عملنا ونخلص في كُلِّ ما نؤديه؛ نفعل ذلك لأن الله- تعالى- مُطَّلِعٌ علينا، ويشهد أعمالنا، فنحن نحبُّ أن يرى الله أعمالنا الحسنة التي نعملها طاعةً له وتقرُّبًا إليه.
عن عائشة أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه". (أخرجه البيهقي)
الله الخالق :
خلق الله هذا الكون العظيم وفق تخطيطٍ محكمٍ ونظامٍ دقيقٍ، فهذا التوافق والانسجام بين عناصر الكون ومخلوقاته، إنَّما يدلُّ على حكمةٍ بالغةٍ وقدرةٍ عظيمةٍ لله الخالق مبدع الكون والحياة، فالشمس تدور في نظامٍ دقيقٍ، والليل والنهار يتتابعان منذ الأزل في دقَّةٍ ونظامٍ.
وهذه الأرض التي نعيش عليها تموج بالحركة، وتمتلئ بالأحياء من مختلف الأشكال والألوان، من نباتاتٍ وحيواناتٍ وطيورٍ، سواء في أعماق البحار والمحيطات، أو في أعالي الجبال والأشجار.
والله- تعالى – هو خالق الخلق ومدبر أمورهم ، ومعطيهم ومانعهم
الله القادر:
قدرة الله الخالق العظيم تظهر في بديع خلقه، وعظيم صنعه، والحياة من حولنا تمتلئ بالعديد من الدلائل والمظاهر التي توضح قدرة الله في خلقه، فتلك الجبال العالية تثبت الأرض وتحفظها أثناء دورانها ، والشمس البعيدة تبعث إلينا بالضوء والدفء، والزهرة بألوانها الزاهية نشم منها العطر الجميل، والنباتات والأشجار التي نراها حولنا، تنبت في أرض واحدة، وتسقى بماء واحد، لكنها تخرج الثمار المختلفة في طعمها ورائحتها، وأشكالها وألوانها.
الله الرَّازق :
الله تعالى يرزق جميع مخلوقاته، من إنسانٍ وحيوانٍ وطيرٍ ونباتٍ، حتَّى أضعف الكائنات وأصغرها، هيَّأ الله لها سبل الرزق، وعناصر الحياة، التي تكفل لها الوجود والاستمرار.
الله رحيم بمخلوقاته :
الله تعالى رحيم بجميع مخلوقاته، وقد وسعت رحمته جميع الكائنات، حتى أصغر المخلوقات وأضعفها، فهو الذي خلقها، وهو الذي يرعاها.
رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَقُولُ: "جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا، وَأَنْزَلَ فِي الْأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا، فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ، حَتَّى تَرْفَعَ الْفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ". [ أخرجه: البخاري ومسلم ].
فمن رحمة الله التي أنزلها في قلوب مخلوقاته، أن ترحم الأم وليدها، وتعتني به صغيرًا، فتسهر الليالي ترعاه، وتهتم به حتَّى يكبر.
ومن رحمة الله أن يتراحم الخلق فيما بينهم، فيعطف الكبير على الصغير ، ويساعد القوي الضعيف، ويعين القادر المحتاج، ويتعاون الخلق فيما بينهم.
أسماء الله الحسنى :
تعالى- أسماء وصفات كثيرة تليق بعظمته، ونحن نذكر الله بهذه الأسماء، ونتعبَّد بها.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضى الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ:
"لِلَّهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا مِائَةٌ إِلَّا وَاحِدًا، لَا يَحْفَظُهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَهُوَ وَتْرٌ يُحِبُّ الْوَتْرَ". [ أخرجه البخاري و مسلم ].
ويتم النفع بأسماء الله- تعالى- إذا فَهِمَ العبد معانى أسمائه- تعالى- ، بحيث يدركها ويستشعرها في قلبه ووجدانه، ويبحث عن أثرها في حياته وسلوكه، وحظ نفسه من التأسي بها، وتعظيمها حتى تحدث في قلب المؤمن خشية لله ومراقبة له في السر والعلن، ويسعى في اكتساب ما يليق بالإنسان من تلك الأسماء والصفات، والتخلق بها والتحلي بمحاسنها كالرحمة والعدل، حتى يصبح المؤمن عبدًا ربانيًّا.